التوجيه التربوي: تعريفه، مقارباته، المتدخلون في عملياته، بنياته وآلياته

القائمة الرئيسية

الصفحات

التوجيه التربوي: تعريفه، مقارباته، المتدخلون في عملياته، بنياته وآلياته


1- تعريف التوجيه التربوي:

حسب " جون كيشار" فإن لمفهوم التوجيه التربوي ثلاث معان وأبعاد مختلفة: حيث يشير أولا إلى مجموع المساطر والآليات المؤسساتية التي تعمل على توزيع المتمدرسين على مختلف الشعب و المسالك الدراسية و التكوينية؛ كما يشير إلى مجموع الأنشطة والسيرورات الفكرية التي يقوم بها شخص ما، والتي تمكنه من اختيار مسار تكويني أو مهني معين؛ وأخيرا يدل مفهوم التوجيه التربوي على مجموع التدابير و الممارسات التي يقوم بها مختصون، من أجل مساعدة الأفراد على التوجيه الذاتي.

وبالتالي فإن التوجيه التربوي هو مجموعة العمليات المنظمة التي يقوم بها مختصون من أجل مساعدة الفرد على فهم ذاته واكتشاف ميولاته والتعرف على قدراته بهدف الملاءمة بين تطلعاته هذه  من جهة والفرص التعليمية والمهنية المتاحة ومتطلبات المجتمع من جهة أخرى.

2- المقاربات المتداولة في مجال التوجيه التربوي:

مقاربة المدرسة المُوَجِّهة:

هذه المقاربة تظل الأكثر ارتباطا بالمدرسة أو المؤسسة التعليمية وتبرز الدور الريادي لهذه الأخيرة في التوجيه التربوي حيث تعتمد على الطابع الكلي والشمولي والرغبة الواضحة والقوية في تعبئة جميع الفاعلين التربويين والاقتصاديين والاجتماعيين في إطار التعاون والانسجام خدمة للتلميذ والطالب. وترتكز هذه المقاربة على مجموعة من المبادئ من أهمها:

·        مبدأ الادماج: من خلال تنمية كفايات حسن التوجيه للتلميذ أو الطالب من خلال التوجيه التربوي في المنهاج الدراسي بكل مستوياته ومكوناته ليجد له موقعا في المجتمع كإنسان ومواطن وعامل أو موظف...

·        مبدأ الشراكة والتعاون: من خلال إرساء شراكة حقيقية سواء داخل المؤسسة أو خارجها وخاصة مع أولئك الذين لهم دور أساسي في بلورة الهوية المهنية والاجتماعية والنفسية والصحية للتلميذ.

·        مبدأ التعبئة: وذلك من خلال تحفيز التلميذ أو الطالب للانخراط في سيرورة توجيهه باعتباره فردا حاملا لمشروع شخصي ومتفاعلا مع محيطه الدراسي والتكويني والمهني.

مقاربة التربية على التوجيه:

تقوم فلسفة التربية على التوجيه على الجمع بين الأهداف السوسيواقتصادية  والسوسيوسياسية المندمجة في إطار إرادة جماعية منظمة لتغيير الإطار البيداغوجي والتربوي الممارس من خلال: أنشطة الحياة المدرسية، وتحديد المسالك والمسارات الدراسية.. وتقوم هذه المقاربة على أربعة مبادئ أساسية:

·        مبدأ الاستمرارية: وذلك عبر جعل المشروع الشخصي للتلميذ سيرورة مستمرة في تطور ونمو دائمين مع قابلية التكيف المتواصل.

·        مبدأ العمل الجماعي: من خلال تدبير تشاركي بين مختلف أعضاء الفريق التربوي والشركاء الآخرين (التلاميذ   الأسر   الإدارات   المقاولات   الجمعيات.. ) كل من موقعه في أفق تحقيق تكامل الأدوار والمهام والمساهمات.

·        مبدأ الانسجام: انسجاما مع روح العمل الجماعي من خلال برامج وأنشطة من لدن عدة جهات تكون منسجمة ومتناغمة فيما بينها وموحدة الأهداف عوض الاقتصار على شخص معين تناط له مهمة التوجيه.

·        مبدأ التوافق: نظرا لاعتماد هذه المقاربة على عدة فاعلين في المجال يعمل هذا المبدأ على نهج انخراط توافقي لهؤلاء قصد تسهيل انفتاح التلميذ على محيطه الاجتماعي والاقتصادي.

مقاربة التربية على المهن:

التربية على المهن هي ذلك المجهود الذي تبذله الجماعة البشرية والنسق التربوي بهدف مساعدة الأفراد على الاستئناس بقيم المجتمع الموجه نحو العمل، إذن فهي مجموع المعارف والمهارات والاتجاهات الضرورية لكل فرد ليصبح العمل منتجا وذا معنى، وجزءا من أسلوب حياته.

3- المتدخلون في عملية التوجيه التربوي:

             المتعلم: باعتباره الفاعل الأول في مشروعه الدراسي والمهني وبالتالي يتوجب عليه أن يكون نشيطا في سيرورة التعلم وسيرورة تنمية مساره على حد سواء، وذلك من خلال الانخراط بفعالية في مختلف أنشطة التوجيه التربوي سواء داخل الفصل الدراسي أو المؤسسة  أو خارجهما، بالإضافة إلى الاستفادة من تجاربه و تعلماته في تحديد نقاط قوته و ضعفه وانتظاراته.

         المدرسون: يسهرون من خلال طرق تدريسهم على إعطاء معنى للتعلمات وعلى جعل المواد الدراسية مُنَمِّيَةٌ لمجموعة من الكفايات المستعرضة كما يساعدون التلاميذ على بلورة مشروع شخصي ناجح من خلال رصد واستثمار مختلف قدراتهم وإمكاناتهم ومحاولة نسج العلاقة اللازمة بين التعلمات وسياقها المهني في عالم الشغل.

         الأسرة: تتدخل في الحياة المدرسية بصفتها معنية بتتبع المسار الدراسي لأبنائها، ويتم ذلك بكيفية مباشرة وفي تكامل وانسجام مع المدرسة. ويكون هذا التتبع مفيدا في تشخيص التعثرات في حينها واتخاذ التدابير المناسبة لتجاوزها؛ ومن جهة أخرى تساهم الأسرة في توضيح اختيارات التلميذ وتوجهاته الدراسية والمساهمة في بلورتها انطلاقا من ميولاته ومؤهلاته لإعداد مشروعه الشخصي.

         المستشار في التوجيه التربوي: يشارك في إعداد برنامج التوجيه المدرج ضمن مشروع المؤسسة؛ وبحكم درايته وتخصصه في المجال يقترح أنشطة خاصة مكملة للأنشطة الصفية كما يقوم بإجراء المقابلات الفردية مع المتعلمين وبتلبية طلباتهم وطلبات أولياء أمورهم حول الإعلام والإرشاد والتوجيه، وبمساعدة المدرسين والتنسيق معهم في الأنشطة المرتبطة بالإعلام المدرسي والمهني.

         إدارة المؤسسة التعليمية أو المهنية: تسهر على جعل خدمات الإعلام والتوجيه ضمن أولويات وانشغالات المؤسسة التربوية بالموازاة مع خدمات التربية والتعليم وذلك بإعداد وتسطير برنامج عمل سنوي أو دوري يتضمن مكون التوجيه التربوي وخدمات الإعلام والإرشاد، والعمل على أجرأته بتوفير الموارد الخاصة وتحديد المهام والمسؤوليات والانفتاح على الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين..

         الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين: يتم إشراكهم في سيرورة المقاربة الموجهة من خلال حضورهم مجالس واجتماعات المؤسسة ومن خلال تدخلاتهم التأطيرية لأنشطة الإعلام والتوجيه وتيسيرهم زيارات التلاميذ والطلاب للمقاولات والمؤسسات الإنتاجية مع توفير قاعدة بيانات عن المهن المرتبطة بهذه المؤسسات وشروط ولوجها ومساراتها المهنية.

4- آليات وبنيات التوجيه التربوي:

آليات التوجيه التربوي:

هناك مجموعة من آليات التوجيه التربوي والتي تتنوع يتنوع المتدخلين في هذه العملية التربوية الهامة، وذلك حسب طبيعة هذه التدخلات:
  • بالنسبة للتدخلات التطويرية من أجل تنمية كفايات التلميذ أو الطالب: هناك المقابلات الفردية والجماعية والأنشطة المساعدة على التوجيه وأنشطة الحياة المدرسية وكذلك تحليل واستثمار النتائج المدرسية والمعطيات الشخصية، كما تضم هذه التدخلات، الزيارات الميدانية واستضافة أشخاص مصادر...
  • بالنسبة للتدخلات الوقائية من أجل إزالة العوائق والحواجز التي تعترض التلميذ أو الطالب وتعوق اندماجه الفعال في محيطه السوسيو تربوي، فهي تعتمد التتبع الفردي والملاحظة المنظمة والتواصل مع الأسرة كما تعتمد استثمار الملفات المدرسية وإجراء روائز بسيكوتقنية وبحوث تربوية...
  • بالنسبة للتدخلات العلاجية من أجل مساعدة التلميذ أو الطالب على حل ومعالجة مشكلاته ذات الطابع البيداغوجي والتربوي والنفسي والاجتماعي والصحي، وتعتمد هذه التدخلات على المقابلات الفردية واستثمار النتائج الدراسية وكذا وضع خطة للدعم وبلورة أنشطة موازية....

بنيات التوجيه التربوي:

  • القطاع المدرسي: يعتبر القطاع المدرسي من أهم البنيات التي تهدف إلى تقريب خدمات التوجيه التربوي من الفئات المستهدفة من التلاميذ والطلاب والفاعلين التربويين والاجتماعيين وذلك بإدماج مستشار الإعلام والتوجيه ضمن الفريق التربوي والإداري للمؤسسة التعليمية.
  • مراكز الإعلام والتوجيه: هي بمثابة مؤسسات تربوية خدماتية محلية منفتحة على جميع المعنيين بقضايا الإعلام والتوجيه والتقويم؛ حيث تساهم ضمن مجال اختصاصاتها في تطوير تدخلات أطر التوجيه وتقديم الدعم اللازم للمؤسسات التعليمية فيما يخص خدمات الإعلام والإرشاد والتوجيه.
  • خلايا إنتاج وثائق الإعلام: تسهر على إنتاج المادة الإعلامية اللازمة على شكل: ملصقات¬  مطويات – كراسات كتيبات – أشرطة سمعية بصرية.. وجعلها رهن إشارة التلاميذ والفاعلين التربويين والاجتماعيين حسب حاجياتهم ومتطلباتهم الأساسية؛ كما تقوم هذه الخلايا بدراسات وبحوث وتربط الاتصال بين كل الفاعلين والمتعاونين في مجال الإعلام المدرسي والجامعي والمهني.
  • مراكز إرشاد الطالب: هي مراكز تابعة للتعليم العالي تقوم بتقديم إرشادات لطلاب الجامعات ومدهم بكل ما يلزم للمساعدة على التخصص الدراسي، كما تقوم بمواكبتهم طيلة مشوارهم الجامعي وإعلامهم بالآفاق التكوينية والمهنية لكل مسلك أو تخصص.

المصادر: - تعليم جديد   

  عبد العزيز صنهاجي، منظومة الإعلام والمساعدة على التوجيه، 2013

السعيد تبرققايت، مستلزمات إدماج مكون التوجيه التربوي في مشاريع المؤسسات الثانوية، 2014 


وإليكم الدعامة السادسة من الميثاق الوطني للتربية والتكوين التي تتحدث عن التوجيه التربوي والمهني

99- يصرح بالتوجيه على أنه جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين، بوصفها وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول وملكات المتعلمين واختياراتهم التربوية والمهنية، وإعادة توجيههم كلما دعت الضرورة إلى ذلك، ابتداء من السنة الثانية من المدرسة الإعدادية إلى التعليم العالي.

100- يستبعد العمل بنسب النجاح المحددة مسبقا كشرط للانتقال من سلك تربوي إلى آخر. وعلى عكس ذلك يستند تدرج المتعلمين إلى استحقاقهم فقط، بناء على تقويم مضبوط وعلى اختياراتهم التربوية والمهنية المحددة، باتفاق مع المستشارين في التوجيه والأساتذة، وبالنسبة للقاصرين منهم بموافقة آبائهم أو أوليائهم.

101- يتم تعيين مستشار واحد في التوجيه على الأقل على صعيد كل شبكة محلية للتربية والتكوين طبقا للمادة 41 من الميثاق، وفي مرحلة لاحقة على صعيد كل مؤسسة للتعليم الثانوي. ويتوافر المستشار على مكان للعمل مزود بالأدوات الملائمة كما يستفيد من التكوين المستمر. وتناط بمستشار التوجيه المسؤوليات التالية:

الإعلام الكامل والمضبوط للمتعلمين وأوليائهم حول إمكانات الدراسة والشغل؛ 
تقويم القدرات وصعوبات التعلم؛
إسداء المشورة بشأن عمليات الدعم البيداغوجي الضرورية؛
مساعدة، من يرغبون في ذلك، على بلورة اختياراتهم في التوجيه ومشاريعهم الشخصية.
 
102 - يتم خلال مدة أقصاها خمس سنوات، تعميم مراكز الاستشارة والتوجيه ذات التأطير اللازم، المزودة بالتجهيزات والمعطيات وخزانات الروائز وأدوات التقويم الأخرى المناسبة والموصولة بالشبكات المعلوماتية، على نحو يؤهلها للاضطلاع بمهام التوجيه المنصوص عليها في المادتين 100 و 101 أعلاه، بأقصى ما يمكن من الفعالية والنجاعة.

 103 - تحدث وكالة وطنية للتقويم والتوجيه تتمتع بالاستقلال التقني والمالي والإداري، وبالشخصية المعنوية.  ويناط بها على الخصوص:

البحث التنموي في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية واللسانية المطبقة على التربية وطرق الامتحان والتوجيه التربوي والمهني؛
الإشراف على مستشاري التوجيه وعلى مراكز الاستشارة والتوجيه، وتزويدها المنتظم بالمعطيات ووسائل العمل؛
وضع معايير للتقويم والامتحانات، وإنشاء بنك للروائز ومواد اختبار متسمة بالصلاحية والدقة، ومعتمدة على أهداف ومحتويات التعليم المحددة في البرامج والمناهج الرسمية؛
التحضير والإشراف على الامتحانات ذات الطابع الوطني، وخاصة تلك المنصوص عليها في المادة 96؛
السهر على انسجام مواضيع الامتحانات الموحدة على الصعيد الجهوي؛
العمل على تحديد كيفية المشاركة في الأنظمة العالمية للتقويم؛
إعداد تقرير سنوي يضم حصيلة أعمالها ويقدم نتائج السنة الدراسية مشفوعة بتقويمها وبالدروس المستخلصة منها. وينشر هذا التقرير على جميع الدوائر المعنية والرأي العام؛
يتضمن هذا التقرير السنوي تقويم المؤسسات وترتيبها حسب نتائجها السنوية.

 

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات