بيداغوجيا الخطأ

القائمة الرئيسية

الصفحات

 بيداغوجيا الخطأ

وثائقي التربوية

مفهوم الخطأ:

إن الحمولة الإشكالية للخطأ تفضي إلى صعوبة تحديد مفهومه، حيث نجد تداخلا كبيرا بين الخطأ والغلط، فيدل الخطأ على وجود حالة فكرية لدى الفرد تمنعه من التعاطي مع الحقيقة كمعطى إيجابي، في حين  يحيل لفظ الغلط، على حمولة أخلاقية ودينية وقانونية، حيث يعتبر خروجا عن الصواب، يستوجب العقاب والزجر، لكن ورغم التفاوت بين المفهومين، إلا أنهما يتقاطعان في كون كليهما نوعا من الخروج عن الصواب المعرفي أو الأخلاقي القانوني. ومن المنظور التربوي يمكن اعتبار الخطأ حالة من المعرفة الناقصة نتيجة لسوء فهم، أو خلل في سيرورة التعليم والتعلم. كما يتحدد الخطأ بيداغوجيا بوصفه: «تلك الحالة من التوتر والارتباك التي يصاب بها المتعلم لحظة اصطدام معارفه السابقة، الخاطئة، بالمعارف الجديدة التي تضحدها أو تشكل تهديدا لها.»

دور الأخطاء في التعلم:

يتعلم الطفل كذلك حينما يعرف أخطاءه ويحللها قصد التمكن من تصحيحها. فنادرا ما نجد طفلا يتعلم دون ارتكاب أخطاء. يجب اعتبار الخطأ مكونا طبيعيا في أي نشاط يقوم به الطفل قصد التعلم، وأيضا مكونا إيجابيا يدلنا على مستوى تطور مهاراته وقدراته. فلا ينبغي أن ننظر إلى الخطأ في سيرورة التعلم كشيء سلبي ينبغي تجنب حدوثه. فالأخطاء التي يرتكبها الأطفال، ولاسيما تلك التي تتكرر باستمرار، هي مؤشر على معرفة في طريق البناء أو معرفة مبنية بشكل غير صحيح، وليست علامة على انعدام المعرفة. إن المتعلمة أو المتعلم الذي يرتكب أخطاء يفعل ذلك بشكل تكون فيه هذه الأخطاء منظمة، ينبغي تقبلها وتحليلها من أجل التوصل إلى أساليب المساعدة الناجعة. وحسب بروسو لا يعتبر الخطأ نقصا للمعرفة أو حادثا عرضيا، بل معرفة كانت لها أهميتها في وضعيات سابقة و أصبحت الآن خاطئة وغير كافية لحل وضعيات أخرى. الخطأ بهذا المعنى يدل على نوع من المعرفة المكتسبة.

تحليل الأخطاء:

لتحليل أخطاء المتعلمين ينبغي ربطها بالوضعية الديداكتيكية بشكل عام، أي بالوضعية المسألة المقترحة وبالمدرس وتدبيره لهذه الوضعية بدل الاقتصار على الاهتمام بالإنجازات الكتابية للمتعلمين. يمكّن هذا التصور إذن من تحليل الأنشطة المقترحة من طرف الأستاذ(ة) وذلك بتوظيف المتغيرات المرتبطة بالوضعية وربط ذلك بتأويل الأطفال لهذه الأنشطة وبإجراءاتهم وسلوكاتهم والأخطاء التي تنتج عنها. تصبح الأخطاء قابلة للتحليل والتأويل من عدة زوايا نذكر منها: 1- الأخطاء المرتبطة بخصوصية المتعلم(ة) نفسه؛ 2- الأخطاء المرتبطة بالمتعلم(ة) في علاقته بالمعرفة؛ 3- الأخطاء المرتبطة بتدبير الأستاذ(ة) للوضعية؛

1- الأخطاء المرتبطة بخصوصية المتعلم(ة):

نذكر من بين هذه الأخطاء: - الأخطاء التي ترجع إلى مرحلة النمو الذهني التي وصل إليها المتعلم(ة) بمعنى أن المتعلم(ة) قد لا يستوعب معارف ومفاهيم مرتبطة بمرحلة متقدمة في النمو. وكأمثلة على ذلك: الحفاظ على السعة: يواجه الأطفال صعوبات قبل سن معين في استيعاب كون كمية السائل لا تتغير عند تحويلها من إناء(له شكل يبرز فيه مستوى السائل مرتفعا(إلى إناء مغاير )يبرز فيه مستوى هذا السائل أقل ارتفاعا من الأول) حسب بياجي. يجد الأطفال صعوبات في حل وضعيات دينامية قبل 6 – 7 سنوات يتطلب حلها عملية الطرح. مثل: ربح حسن 6 كلل و أصبح لديه 17 كلة، كم كان لديه من كلة في بداية اللعب. - الأخطاء المرتبطة بتمثلاث الطفل حول المدرسة؛ - الأخطاء المرتبطة بمهارات حركية (بطء في العمل، صعوبات الكتابة)؛ - الأخطاء المرتبطة بصعوبات نفسية ووجدانية.

2- الأخطاء المرتبطة بالمتعلم(ة) في علاقته بالمعرفة:

يمتلك الطفل تصورات حول المعارف المراد بناؤها. هذه التصورات يتم الكشف عن بعض جوانبها من خلال تحليل أخطائه وتأويل نتائج التحليل. ترتبط بعض هذه التصورات بالمعرفة ذاتها وتاريخها، بينما يرتبط البعض الآخر منها بالجانب الديداكتيكي لهذه المعرفة أي بالظروف التي حصل فيها التعلم.

3- الأخطاء المرتبطة بالمتعلم(ة) في علاقته بالأستاذ:

تنشأ علاقات ضمنية في مجملها بين الأستاذ(ة) والمتعلم(ة) تنتج عنها توقعات من لدن طرف إزاء الطرف الآخر (التعاقد الديداكتيكي) وكأمثلة نذكر: - استعمال جميع المعطيات الواردة في نص مسألة من أجل إيجاد الحل، - الاستعمال المتكرر ولو بشكل ضمني لبعض الكلمات في نص مسألة وربطها بالعملية الحسابية التي تؤدي إلى الحل مثل: الربح يعني الجمع، والخسارة تعني الطرح. - رسم زاوية قائمة من طرف الأستاذ(ة) في وضعيات يكون فيها دائما أحد الأضلاع أفقيا والآخر عموديا.

أساليب معالجة الأخطاء:

تمكننا الأخطاء من محاولة فهم الصعوبات التي يواجهها الأطفال والوقوف على سبل معالجتها. ويبرز من خلال التحليل السابق أن أسبابها مختلفة ومتنوعة. يمكن التعرف على هذه الأخطاء وتحليلها من جوانب متعددة سبق ذكرها، وتتعلق بمختلف مكونات الوضعية الديداكتيكية. ولدعم المتعلمين من أجل تجاوز الصعوبات المرتبطة بهذه الأخطاء ينبغي: - تحليل مدى ملاءمة الوضعية المسألة المقترحة للمهارات والقدرات المستهدفة و إدخال التعديلات اللازمة وذلك بتوظيف متغيرات ديداكتيكية ملائمة. - مراجعة الأستاذ(ة) لتدبيره للوضعية الديداكتيكية. - الاهتمام بخصوصيات المتعلمين المتعلقة بالمجال الصحي-الحركي والوجداني-الاجتماعي.

الحق في التعلم بالخطأ:

تعترف البيداغوجيا الحديثة بحق الطفل في التعلم بالخطأ، وتحفزه على الاعتراف بأخطائه والعمل على تصحيحها والاستفادة منها. وينعكس الأثر الإيجابي لنظرة الأستاذ للخطأ على سلوك المتعلم الذي يتخلص من عقدة الخطأ التي ظلت تطارده طويلا، فيصبح شجاعا في طرح أفكاره أمام زملائه ومنطلقا في عرض إبداعاته ومتقبلا لأخطائه درجة تقبله لصوابه.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع